فهذا الأنصاري من خيار الأنصار جاء يطلب ولاية، فناسب ذلك أن يذكر له النبي ﷺ أمراً سيقع بعده. النبي ﷺ هو أكمل الناس هدياً وأحسنهم خلقاً وعملاً وحالاً، ولا يستأثر بشيء دون أصحابه، لكن سيأتي بعده أناس يستأثرون، ولم تحصل الأثرة في عهد الخلفاء الراشدين . إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض بمعنى لا يبدر منكم شيء من الخروج على هؤلاء الذين استأثروا دونكم، أو غير ذلك مما لا يليق، وإنما الصبر كما في الحديث السابق. شرح حديث إِنَّكُم سَتَلقَون بَعدِي أَثَرَة فَاصبِرُوا حَتَّى تَلقَونِي على الحَوض. وعلاقة هذا الحديث بباب الصبر واضحة، وهي أن النبي ﷺ ذكر أمراً يتطلب الصبر؛ لأن الإنسان إذا رأى حقه يضيع، ورأى غيره يسطو عليه، فإن ذلك قد ينفرط معه الصبر، فيتعدى الإنسان طوره، ويأخذ حقه بالطريق غير المشروع، وذلك صريح في قول النبي ﷺ: فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. هذا، وأسأل الله  أن يرزقنا وإياكم الصبر والثبات، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه. أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ للأنصار: اصبروا حتى تلقوني على الحوض (3/ 1381)، رقم: (3581)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم (3/ 1474)، رقم: (1845).

  1. باب: قول النبي ﷺ : (سترون بعدي أموراً تنكرونها) - حديث صحيح البخاري
  2. اصبروا حتى تلقونى على الحوض ( 10/9/2015 ) نزهة المتقين - الشيخ جمال المراكبي - الطريق إلى الله
  3. شرح حديث إِنَّكُم سَتَلقَون بَعدِي أَثَرَة فَاصبِرُوا حَتَّى تَلقَونِي على الحَوض

باب: قول النبي ﷺ : (سترون بعدي أموراً تنكرونها) - حديث صحيح البخاري

يعني: حسداً مما أعطيه المهاجرون من دون الأنصار، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9]، فهؤلاء قيل لهم ذلك، ولقبوا بالأنصار. قال: "يا رسول الله، ألا تستعملني" هذا أسلوب عرض، يعني: هلا استعملتني، ومعنى استعملتني: أي جعلتني عاملاً، بمعنى أنه يوليه ولاية إما على بلد، أو يوليه على عمل من الأعمال، كأن يستعمله على الصدقة مثلاً، كجباية الزكوات، أو نحو ذلك من الأعمال والوظائف والمهام التي يكلها النبي ﷺ إلى بعض أصحابه. قال: "كما استعملت فلاناً" "فلاناً" أبهمه في الرواية، وهو قد سمى له شخصاً معيناً، لكن ما أراد أن يذكره هنا لسبب أو لآخر، فقد لا يحسن ذلك في رواية الحديث، فالراوي قد يترك بعض الشيء، ويبهم بعض الأسماء لمصلحة، ويقال: إن هذا الرجل الذي أبهمه هنا هو عمرو بن العاص  ، فقد استعمله النبي ﷺ، كما هو معلوم. فقال: إنكم ستلقون بعدي أثَرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض هذا خطاب للأنصار، أنهم سيلقون بعده ﷺ أثرة. والأثرة هي الانفراد بالشيء دون مستحقيه، فيُمنع صاحب الحق، ويستأثر من بيده السلطة أو الولاية أو نحو ذلك بهذا المال. باب: قول النبي ﷺ : (سترون بعدي أموراً تنكرونها) - حديث صحيح البخاري. ووجه الارتباط بين طلب الرجل الولاية، وبين قول النبي ﷺ: إنكم ستلقون بعدي أثرة يمكن أن يقال -والله تعالى أعلم: هذا الرجل سأل ولاية، وبصرف النظر هل ولاه النبي ﷺ أو لا، فناسب أن يذكر النبي ﷺ أمراً سيقع بعد ذلك من الاستئثار دون الأنصار بالمال، وبالولايات، وبالحقوق، وما أشبه ذلك.

اصبروا حتى تلقونى على الحوض ( 10/9/2015 ) نزهة المتقين - الشيخ جمال المراكبي - الطريق إلى الله

وهذا منِ استِعْمالِ الحِكْمةِ في الأُمورِ الَّتي قد تَقْتَضي الإثارةَ؛ فإنَّه لا شكَّ أنَّ اسْتِئثارَ الوُلاةِ بالمالِ دونَ الرَّعيَّةِ يُوجِبُ أنْ تَثورَ الرَّعيَّةُ، وتُطالِبَ بحقِّها، خاصَّةً لمَن كان همْ سَببًا في هذا المالِ وتلك المَناصِبِ، ولكنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَر بالصَّبرِ على هذا، وأنْ نَقومَ بما يجِبُ علينا، ونَسْألَ اللهَ الَّذي لنا.

شرح حديث إِنَّكُم سَتَلقَون بَعدِي أَثَرَة فَاصبِرُوا حَتَّى تَلقَونِي على الحَوض

فأرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يصبروا ولو وجدوا الأثرة؛ فإنَّ صبرهم على ظلم الولاة من أسباب الورد على الحوض والشرب منه. وفي هذين الحديثين: حث على الصبر على استئثار ولاة الأمور في حقوق الرعية، ولكن يجب أن نعلم أن الناس كما يكونون يُولَّى عليهم، إذا أساؤوا فيما بينهم وبين الله، فإن الله يسلط عليهم ولاتهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129]؛ فإذا صلحت الرعية يسَّر الله لهم ولاة صالحين، وإذا كانوا بالعكس كان الأمر بالعكس. اصبروا حتى تلقونى على الحوض ( 10/9/2015 ) نزهة المتقين - الشيخ جمال المراكبي - الطريق إلى الله. ويذكر أن رجلًا من الخوارج جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: يا علي، ما بال الناس انتقضوا عليك ولم ينتقضوا على أبي بكر وعمر؟ فقال له: إن رجال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنا وأمثالي، أما أنا فكان رجالي أنت وأمثالك؛ أي: ممن لا خير فيه، فصار سببًا في تسلط الناس وتفرُّقهم على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وخروجهم عليه، حتى قتلوه رضي الله عنه. ويذكر أن أحد ملوك بني أمية سمع مقالة الناس فيه، فجمع أشراف الناس ووجهاءهم وكلمهم - وأظنه عبدالملك بن مروان - وقال لهم: أيها الناس، أتريدون أن نكون لكم مثل أبي بكر وعمر؟ قالوا: نعم، قال إذا كنتم تريدون ذلك، فكونوا لنا مثل رجال أبي بكر وعمر!

أخرجه البخاري، كتاب التيمم (1/ 127)، رقم: (327)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب التيمم (1/ 279)، رقم: (367). أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن (4/ 1916)، رقم: (4730)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب نزول السكينة لقراءة القرآن (1/ 548)، رقم: (796).
تطعيم فايزر في جدة
May 20, 2024