قطوف وحلا حي النور
» وهنا يطمئن الشيخ اطمئنانة قصيرة، أرجو ألا تحسبها استراحة من ذلك الجهد العنيف، وإنما هي استجمام للجهد الأعنف، أستغفر الله؛ أرأيت إلى الليث كيف يجتمع للوثاب؟ وكذلك كان الشيخ — عليه رحمة الله — فسرعان ما تراه قد وقف على أصابع رجليه كأنه يريد أن يطول ما لا يطال، ويستأنف الدعاء: «وأدخلنا وإياكم الجنة. » فإذا صارت إلى حلقه كلمة «إياكم» يجعل يرتفع في مد «الياء» ثم يرتفع؛ ثم يرتفع ثم يرتفع، متحديًا ما رسم أصحاب الفن لنهايات الأصوات في سموها، إذ الناس شاخصون بأبصارهم إلى السماء لينظروا مشدوهين إلى أي مدى يبلغ الشيخ، حتى إذا جاز هذه الطبقات جميعًا، وبلغ «الجنة»، زر حلقه على نونها فعصرها عصرًا شديدًا، وكأنه لا يتكلف في هذا الجهد المهول شيئًا حتى إذا بلغ هذا المدى خيل إلى الناس أنهم والمسجد الذي يضمهم بأرضه وسمائه، وعمده ودككه ومنبره ومقاصيره، قد ارتفعوا كتلة واحدة حتى وصلوا إلى جنة عدنان، ونالوا أعظم ما ينال مؤمن من الرضوان! ثم يهوي من فوره إلى القرار فيقول: «بمنه وكرمه وجوده، دار السلام بسلام» ثم يعود إلى محلقه فيصيح: «طلع الفجر! » الله أكبر! رمضان | قطوف البشري | مؤسسة هنداوي. الله أكبر! ماذا صنعت لعمري أيها الشيخ؟ لقد رن رنة ملأت الآفاق جميعًا، حتى لو أنه أطلقها في غسق الليل لانفجر من حلقة الفجر، ولحق على المؤمنين أن يخفوا لصلاة الصبح، وما شاء الله كان!
قطوف وحلا حي النور مسلسلات تركية
وما دام حديث رمضان قد استدرجنى إلى ذكر الشيخ أحمد ندا فلا بد لى من أن أقول فيه كلمة، لقد ولدت فى حى السيدة زينب، وعشت فيه مدة الفتوة، وصدرًا من سنى الشباب، ولست أذكر أنى من عهد الصبا تخلفت فى ليلة من ليالى رمضان، إذا كان السحر عن طلب مسجد السيدة زينب، أستمع أولًا إلى درس الحديث من أستاذنا العلامة الجليل الشيخ محمد السمالوطى عليه رحمة الله، حتى إذا فرغ منه فى الوقت المقسوم، استوى الشيخ ندا على الدكة، وأنشأ يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم "طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ"، وقد انصقل بقراءة الليل صوته، وحلا نبره، وسلس له منه ما كان جامحًا.