وكذلك أيضًا أبواب الشهوات، حينما يُعرض نفسه لهذه الشهوات فينظر إلى هذه الصورة، أو يدخل في مواقع سيئة؛ فإن قلبه قد يُقلب، فيضل ويُريد أن يرجع ويتوب، ولكنه لا يستطيع، من عرض نفسه للفتنة أولا لم ينجُ منها آخرا، فيبتعد الإنسان عن الشر، وأسباب الشر، وأسباب الغي، وأسباب الضلال، ويسأل ربه أن يُثبت قلبه على الحق، وأن يهديه، وأن يدله على مرضاته، وأن يسلك به صراطه المستقيم، فإن الموفق من وفقه الله . ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [سورة البقرة:17] قد يظن الظآن، أو يتوهم المتوهم أن هؤلاء من المنافقين قد تُركوا فسلموا في الدنيا، ولكن الواقع أنهم لم يسلموا، يكفي في مُصابهم أن الله -تبارك وتعالى- سلب عنهم النور، نور الهداية، وأن الله -تبارك وتعالى- قد تركهم في ظلمات لا يُبصرون، فهذا الترك يعني أن الله -تبارك وتعالى- قد تخلى عنهم، تخلى عنه هداية هؤلاء، وعن إنزال ألطافه بهم، فصاروا في حال من الضياع والتيه، فلم يرجع هؤلاء إلى حق ولم يشعروا بما هم فيه من الباطل. فإذا ترك الله العبد ونفسه، فلا تسأل عن حاله بعد ذلك، الغي، والضلالة، والانحراف، والضياع بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى ودلالة، الضياع بجميع صوره وأحواله.

القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 171

((صُمٌّ)) جمع أصم، لأنهم لا ينتفعون بالحق، فهم والأصم سواء ((بُكْمٌ)) جمع أبكم، وهو الأخرس، لأنهم لا يقولون الحق فهم والأبكم سواء ((عُمْيٌ)) جمع أعمى، لأنهم لا يبصرون الحق، فهم والأعمى سواء ((فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)) عن غيهم وضلالهم، و"ف" للإشارة إلى أنهم حيث صموا وأبكموا وعموا لم يرج فيهم الخير، فإنه (لا يسمع الصم الدعاء).

تفسير: (صم بكم عمي فهم لا يرجعون)

قال الشاعر: صُمٌّ إذا سَمِعوا خيرًا ذُكِرتُ به *** وإنْ ذُكِرتُ بسوء عندهم أَذِنُوا [1] بكم الألسنة لا ينطقون بالحق، ولا يسألون عنه، فكأنهم لا ينطقون.

(إنّ) حرف مشبه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (على كلّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (قدير) (شيء) مضاف إليه مجرور (قدير) خبر إن مرفوع. جملة: (يكاد البرق... ) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (يخطف... ) في محلّ نصب خبر يكاد. وجملة: (أضاء... ) في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة: (مشوا... ) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم. وجملة: (أظلم... ) في محلّ جرّ بإضافة إذا إليها. وجملة: (قاموا) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم. صم بكم عمي فهم لا يرجعون. وجملة: (شاء اللّه) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة. وجملة: (ذهب... وجملة: (إنّ اللّه.. ) قدير لا محلّ لها استئنافيّة تعليليّة. الصرف: (يكاد)، الألف منقلبة عن واو ففيه اعلال بالقلب، والأصل يكود بفتح الواو، نقلت حركة الواو إلى الكاف قبلها- إعلال بالتسكين- ثمّ قلبت الواو ألفا لسكونها وفتح ما قبلها. (مشوا)، فيه اعلال بالحذف، أصله مشاوا، جاءت الألف والواو ساكنتين فحذفت الألف لالتقاء الساكنين وفتح ما قبل الواو دلالة على الألف المحذوفة. (قاموا)، الألف فيه أصلها واو لأن مضارعه يقوم، وجرى فيه القلب مجرى قالوا (انظر الآية 14). (شاء)، فيه الألف منقلبة عن ياء لأن مصدره شيء، وجرى فيه الإعلال مجرى زاد (انظر الآية 10)، فأصله شيأ بفتح الياء.

المرتبة الخامسة عشر تعادل
May 18, 2024